السبت، 8 فبراير 2014

شجرة السعادة

كنت  أجلس وسط الصالون أحمل بين يدي كتابا لطه حسين " شجرة البؤس"، عن يمني تجلس أمي في زاوية الصالون ، وفي يدها جهاز الحاسوب و كانت متكئة على أريكة رمادية اللون شعرها يلامس الأرض من الجهة الأخرى  و قميصها الأصفر المزركش بالأخضر، الذي يجعل من بيتنا  جنبات نهر قد احتضنها فصل الربيع  . كنت أختلس إليها النظر، كلما تعبت من القراءة و أردت أن أخد نفسا . أتنهد حينها كمن استيقظ لتوه من اثر الصدمة ، ثم أرفع أصبعي لأكفكف عبرة من عيني نزلت لتوها، تأثرا بحال" نفيسة" التي أصيبت في عقلها بعدما سكنتها جنية البيت، و بحال خالد بعلها الذي اضطر لتطليقها لا  لأنها كانت دميمة الوجه ولكن لما سبق ذكره  إنها أحدات في القصة التي كنت أقرأها  لصاحبنا .

اختلست نظرة سريعة إلى أمي فوجدها تبتسم ابتسامة تملا البيت سكينة ابتسامة من الأعماق . كثير ما سألت عن سر هذه الابتسامة ، وحاولت أن أجد جوابا لكني لم أفلح، أردت أن اسأل.  بيدا أني خشيت أن أقاطع هدأت البيت ببنت شفاه فاكتفيت حينها بوضع الفرضيات.
ـ لعل أمي تشاهد "فيلما  كوميديا " أو " سكتش"  أو ما شبه ذلك ...    
إلا أنه سرعان ما تأكد لي خطأ افتراضي، لما اختلست النظر إلى الأم فلم أجدها تستخدم سماعات بأذنيها وفي نفس الآن لم سمع شيء قط
ـ لعلها تشاهد صور على " الفيس "
فيحل بهذه الفرضية ما حل بسابقتها وتولت الافتراضات و الفرضيات و توالت معا الإخفاقات .
عدت لأتمم القراءة بعد مدة طويلة  كنت قد استجبت  لدافع الفضول  و ما إن انصهرت في القصة حتى سمعت أنامل  أمي على لوحة المفاتح بأنغام "الشاط ". و بابتسامة لا تخلوا من مكر قلت  إن أمي "  تتشاطي "
 إلا أن ابتسامتي هذه تغتال  فتية لما أدرك خطرة الأمر:
ـ يا الهي مع من تكون ؟ وفي حضرة أبي . ماذا لو انتبه إلى الأمر وقدم إليها على حين غرة ، و في غفلة منها ، بل وترفع منها، فيكتشف انها على الخط مباشرة مع أحد الرجال .
ـ يا الهي اليوم سيحطم هذا البيت فوق رؤوسنا ، فأنا أعرف ولدتي جيدا  فليست تملك من حيال الفتيات  قليل و لا كثير تنقد به نفسها إذا أحست قدوم أحدهم ، حتى إذا أطل مراقب وجد الأمر عمل فاطمئن .
علمت هذا من أحدى تلميذاتي  لما أخبرتني ، أنها تفتح ملفا إلى جانب " الفيس " حتى إذا حضر أحدهم ، ضغطت على زر الإغلاق فيظهر  ملف البحث  مباشرة و في طرف العين . و الحقيقة أنها لو سئلت لأجابت عكس ما هو موجد ، ولكن المراقب في ثقة  يبارك وينصرف مطمئنا . حذرتها حينها أنك ستدفعين الثمن غاليا ، ضريبة تهاونك وخداعك و ضياعك للوقت و تلاعبك ، إلا خداع الوالدين و الكذب عليهم قلت.
أعود إلى أمي، فلا زلت تلك الابتسامة الطويلة ، التي جعلتني أغار من أبي  على ما رزق من جمال هذه  المرأة  .
وأخيرا انتبهت إلى خطورة الأمر فأدرت ظهري أكثر لأحجب أمي  حتى لا يراها أبي  فتلفت انتباهه تلك الابتسامة السرمدية  فيكتشف أمرها .
و ما أن فعلت حتى صرت مقابلا لأبي الذي يتواجد في ركن الصالون  عن يساري .
رفعت بصري إليه هل ينظر  إلى أمي  أم أنه مع أبحاثه بالحاسوب ، كانت الصدمة قوية لما رأيت الابتسامة قد نسخت. فنفسها تلك  التي  رأيتها على محيا أمي ، أجدها على محيا والدي ، ومما زاد الهم و أشجاه أنني أعرف أنه لا شيء من الأفلام ولا الصور تضحكوه  في مثل هذا الوقت وأنا متأكد أنها ابتسامة  الرجال  حين يحاورون النساء في غير نفاق ، أتكون امرأة أخرى ،فوا الله  ما ابتسم أبي لمحاورة رجل  مثل هذه الابتسامة أقسم .و  والله إن وطئ أصابعه على لوحة المفاتح لتنبئ  "بشاط"
أن متأكد أنها امرأة غريبة، أو صديقة قديمة.  
ـ الحمد لله أني فصلت بينهما ، حتى  لا يرى أحدهما الآخر   ما يصنع.
 ـ كاد قلبي ينفطر
ها هو أبي يقوم من مكانه  كمن يغازل الهواء ن يتوجه إلى غرفته ، فلا تكاد تسعه فرحة ، أحسست ذلك و أنا أسترق النظر إليه ، و كأني منهمك  في القراءة .غير ملابسه ،فصار كالعريس يريد استقبال عروسه ، و مما زاد الهم و أشجاه أن عطره سبقه . 
ـ  الآن ستنتبه . الآ ن ستقول ما هذا ؟ الآن تقول إلى أين؟  كعادتها، ألان ستمطر أسئلة تغرق  البيت  عن أخره وتبدنا عن بكرة أبينا .
في غفلة  منه وهو أمام  المرأة الخارجي قرب "  لفابوا " أرفع رأسي إلى السقف  كمن يتنفس الصعداء و بعده ـ في مكرـ أدير وجهي لأجد أمي تختلس النظر إلى أبي و الابتسامة لزلت قابعة على تغرها الجميل.
استغربت وبدأت الافتراض عودا على بدء تنهل انهيالا
أترى أمي فرحة بخروجه من البيت "لتأخذ راحتها  كاملة ".
 ها هو يفتح باب المنزل . تبعته بخط ثقيلة  على أصابع رجلي  حتى لا تحس بي والدتي، سألته بصوت منخفض إلى أين يا أبتي
ـ " عندي موعد" أجبني .
لم أشعر حتي صككت وجهي ووضعت أصبعي على فمي " أشششششش" خوفا من أن  تسمع أمي ذلك .
أخيرا صرت متأكد أن أبي كان في" الفيس" مع امرأة غريبة وهاهو في طريقه إلى لقائها .
أغلقت الباب في مهل كما لو أني فتاة طائشة  تعود إلى منزلهم متأخر ة  فتفتح الباب دون أن يشعر بها أحد لتصعد إلى غرفتها دون أن يراها أحد ، لتنزل بعد ذلك تضرب برجليها   على الدرج السلم ، ليعلم أنها كانت فوق تراجع فقط فلا يعلم بأمرها إلا بعد سقوطها أخر السنة ، أو حين تزف إلى الأسرة فضيحة  يضطر معها  الأهل لهجرة المنزل إلى مكان أخر. عدت إلى مكاني كأن لم يقع شيء، و ما إن أخذت مكاني كالمعتاد وبدأت في التفكير ، سرحان أسفاه، حتى سمعت رنة إغلاق الحاسوب .هاهي أمي تنهض من مكانها " تتكاسل " وهي الأخرى لا تسعها الدنيا ، و هاأنا أتعس اثنين إذ هما فرحان .
توجهت والدتي إلى غرفتها فما كدت أتنفس الصعداء حتى سبقها عطرها ، نسيم عليل على أنغام أغنية " سميرة بنت سعيد " " أنا رجعا ليك جيا ليك يا أغلى حبيب "  تغنيها هي .
كأنها قمر ساطع يضئ الأرض قبل السماء
ـ يا إلهي أي يوم هذا و الله لقد صح ظني وصدق حدسي  " موعدنا يوم الزينة "
ـ " فيا سحر فرعون إذا جاء موسى  و ألقى العصا "
ـ أردت أن أسال فلم أستطيع .
ـ أخيرا عزمت على التحدث و الحديث وسؤال والدتي :
ـ ما هذا ؟ إلى أين ؟....
و قبل أن أبدأ قاطعتني قائلة :
ـ انتبه إلى البيت يا بني نشوف شي ناس " الله ارضي عليك "
ـ ولكن  إلى أيـــــ
ـ بسلامة عليك
أمسكت رأسي الذي كادا ينفجر " إنها حقا لساعة في الجحيم "
بدأت أفكر و قبل أن أبدأ  وسوس  إلي الشيطان : أن قم قافلا  وراء ها ، و انظر إلي أين تذهب ، قم .ألا تحب أن تكون مطيعا لولديك ، وقبل أن  يتم حديثه ، زكته النفس " و إن النفس لآمرة بالسوء إلا من رحم ربي "
ـ وهل تراني سأثبت  أمام مكرهما
تبعت أمي دون أن تحس بي وما إن أبصرتها حتى ألفيتها تلتفت في جنبيها كمراهقة في الإعدادي في الإعدادي تأرن ، أحيانا ، كما يأرن المهر، لا تكل ولا تمل من النظر إلى جنبيها ولباسها فيضع الفهم و النجاح .
تقترب من مقهى غاية في الروعة تتوسطه حديقة، واسعة ليست بالممتلئة و لا بالفارغة. كنا ـ ونحن صغار ـ نسميه  المقهى الموسيقي . فقد كانت تنبعت منه موسيقى هادئة  رومانسية ، نطيل حنئيذ الوقوف لسماعها .
ها أنا أبصر أبي في ركن من هذا المقهى ، أيقنت في نفس الآن أن والدتي متوجهة إلى هناك إلى المقهى نفسه .
ـ كاد يغمى علي
ـ اليوم سنكون حديث تلك المديعة الرقيقة التي لا تخلوا ابتسامتها من مكر و سخرية  في مثل هذه المواقف
ـ لعل عرفت ما وقع : 
كان أبي يتواصل وأمي وكلاهما باسم مستعار  و لم يكن أحدهما يعلم بالأخر بل كان كل منهما في خيانة الأخر دون علم بأنه زوجها و أنها زوجته ,
ـ يا إلهي هنا سيبدأ الصفع  والسب والشتم . هنا سيصبح أسفل المقهى عليها . هنا سيغمى عليا وسأنقل إلى المستشفى.
ـ أمي الآن على بعد أمتار ثلاثة من مكان جلوس أبي.
حينها تمنيت لو كنت طائرا فأطير إليها و أهمس إليها بوجود أبي هناك فلا تتقدم أكثر . عودي أدراجك  يرفع أبي أبصره فتعلوا محياه ابتسامة  . أما أمي فمن تلك المسافة تفتح درعيها  ، يقف أبي من مكانه ، فيتعانقا صديقان لم يلتقيان سنين.
ـ عدت إلى المنزل بعد ما شاهدت كل شيء وعدت إلى إتمام قراءة الكتاب
ـ إيه يا طه حسين ليثني مثلك أستطيع  نقل ما جرى لي اليوم إلى سفر كسفرك هذا فأسميه بشجرة السعادة ، والصداقة في الحياة الزوجية
بينما أنا هائم في ما فيه  يفتح الباب على إيقاع ضحكات أبوي  على أن اليدان متشابكان  لم يفصلهما وجودي في البيت كما لم يفصلهما إخراج مفتاح الباب وفتحه من قبل  
قمت من مكاني لأقبل يديهما كعادتي لكنهما احتضاني في حنو فأحسست بدفء لم أعهده قبل   

ـ ما أجمل أن يكون  في الرجل الزوج  والصديق و الحبيب العاشق والام و الاب و يكون في الزوجة مثل ذلك 

هناك تعليق واحد: